الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله: {الذين يَتَّبِعُونَ}.في محلِّه أوجه:أحدها: الجر نعتًا لقوله: {الذين يَتَّقُونَ}.الثاني: أنَّهُ بدلٌ منه.الثالث: أنَّهُ منصوبٌ على القطع.الرابع: أنَّهُ مرفوع على خبر مبتدأ مضمر وهو معنى القطع أيضًا.الخامس: أنه مبتدأ وفي الخبر حينئذٍ وجهان: أحدهما الجملةُ الفعليَّةُ من قول: {يأمُرهُمْ بالمَعْرُوفِ}.والثاني: الجملةُ الأسميَّةُ من قوله: {فأولئك هُمُ المفلحون} [الأعراف: 8] ذكر ذلك أبُو البقاءِ، وفيه ضعف بل مَنْعٌ كيف يجعل: {يَأمْرُهُم} خبرًا وهو من تتمسة وَصْفَ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو على أنَّهُ معمولٌ للوجدان عند بعضهم؟ كيف يجعل {فأولئك هُمُ المفلحون} خبرًا لهذا الموصول؟ والموصولُ الثاني وهو قوله: {فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} يطلبه خبرًا، لا يتبادَرُ الذهن إلى غيره، ولو تبادر لم يكن مُعتَبرًا.قوله: {الأمِّيَّ} العامَّةُ على ضمِّ الهمزة، نسبةً إمَّا إلى الأمة وهي أمَّةُ العرب؛ وذلك لأن العرب لا تحسب ولا تكتب، ومنه الحديث: «أنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ»، وإمَّا نسبةً إلى الأمّ وهو مصدر أمَّ يَؤمُّ أي: قصد يقصد، والمعنى على هذا: أن النبيَّ الكريم مقصود لك أحدٍ، وفيه نظر؛ لأنه كان ينبغي أن يقال: الأَمِّيّ بفتح الهمزة.وقد يقال: إنَّهُ من تغيير النَّسب، وسيأتيأنَّ هذه قراءةٌ لبعضهم، وإمَّا نسبةً إلى أمِّ القرى وهي مكة وإمَّا نسبةً إلى الأمّ، فالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب على حالةِ ولادته من أمه.وقرأ يعقوب الأَمِّيَّ بفتح الهمزة، وخَرَّجهَا بعضُهُمْ، على أنَّهُ من تَغْييرِ النَّسبِ، كما قالوا في النَّسب إلى أمَيَّة: أموي، وخرَّجها بعضُهم على أنَّها نسبةٌ إلى الأَمِّ وهو القصد، أي الذي هو على القصْدِ والسَّدادِ، وقد تقدم ذلك في القراءة الشهيرة، فكل من القراءتين يحتملُ أن تكون مُغَيَّرَةً من الأخرى.قوله يَجِدُونَهُ الظَّاهرُ أنَّ هذه متعديةٌ لواحد؛ لأنَّها اللُّقْيَة، والتقدير: يَلْقونَهُ أي: يلقَوْنَ اسمه ونعته مَكْتُوبًا؛ لأنَّهُ بمعنى: وُجْدَانِ الضالَّة، يكون مَكْتُوبًا حالًا من الهاء في يَجِدُونَه.وقال أبُو عيِّ: إنَّهَا متعدية لاثنين، أوَّلهما: الهاءُ.والثاني: {مَكْتُوبًا}.قال ولابد من حذف هذا المضاف، أعني قوله: ذكره، أو اسمه.قال سيبويه: تقولُ إذا نظرت في هذا الكتاب: هذا عمرو، وإنَّما المعنى هذا اسم عمرو، وهذا ذِكْر عمرو وقال مجاهد وهذا يجوزُ على سعةِ الكلامِ.قوله: {عِندَهُمْ فِي التوراة}.هذا الظَّرف، وعديلُه كلاهما متعلِّقٌ بيَجِدُونَ، ويجوزُ- وهو الأظهر- أن يتعلَّقا بـ {مَكْتُوبًا} أي: كُتِبَ اسمُهُ ونَعْتُهُ عندهم في توراتهم وإنجيلهم.قوله يَأمُرُهُم فيه ستة أوجه:أحدها: أنَّهُ مستأنف؛ فلا محلَّ له حينئذ، وهو قول الزجاج.والثاني: أنَّهُ خبر لـ {الّذينَ} قاله أبُو البقاءِ: وقد ذُكِرَ، أي: وقد ذكره فيه ثمَّة.الثالث: أنَّهُ منصوبٌ على الحال من الهاء في يَجِدُونَهُ، ولابد من التَّجوز في ذلك، بأن يُجْعَلَ حالًا مقدرة، وقد منع أبو عليِّ أن يكون حالًا من هذا الضَّمير.قال: لأنَّ الضمير للاسم والذِّكْرِ، والاسم والذِّكر لا يأمران يعني أن الكلام على حذف مضاف كما مر؛ فإن تقديره: يجدون اسمه، أو ذكره، والذكر أو الاسم لا يأمران، إنما يأمر المذكور والمسمَّى.الرابع: أنه حال من النَّبِيِّ.الخامس: أنَّهُ حال من الضَّمير المُسْتكِن في {مَكْتُوبًا}.السادس: أنَّهُ مُفَسِّر لِـ {مَكْتُوبًا} أي: لِمَا كُتِبَ، قاله الفارسي.قال: كَمَا فَسَّرَ قوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ} [المائدة: 9] [النور: 55] [الفتح: 29] بقوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 9]، وكما فسَّر المثل في قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] بقوله: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59].وقال الزَّجَّاجُ هنا: ويجوزُ أن يكون المعنى: يجدونه مكتوبًا عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف وعلى هذا يكون الأمرُ بالمعروف، وما ذُكِر معه من صفته التي ذُكِرت في الكتابين، وقد استدرك أبُو علي هذه المقالة، فقال: لا وجه لقوله: يجدونه مكتوبًا عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف إن كان يعني أنَّ ذلك مرادٌ؛ لأنَّهُ لا شيء يَدُلُّ على حذفه، ولأنَّا لا نعلمهم أنهم صدقوا في شيء، وتفسير الآية أنَّ وجدت فيها تتعدَّى لمفعولين فذكر نحو ما تقدم عنه.قال شهابُ الدِّينِ: وهذا الردُّ تحاملٌ منه عليه؛ لأنَّهُ أراد تفسير المعنى وهو تفسير حسن.قوله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ}.قرأ ابنُ عامر آصارهم بالجمع، على صفة أفْعَال فانقلبت الهمزةُ التي هي فاء الكلمة ألفًا لسبقها بمثلها، والباقُون بالإفرادِ.فمن جمع فباعتبار متعلِّقاته وأنواعه، وهي كثيرة، ومن أفْردَ؛ فلأنه اسمُ جنسٍ.وقرأ بعضهم أَصْرَهُمْ بفتح الهمزةِ، وبعضهم أُصْرَهُمْ بضِّمها.والإصْرُ: الثِّقلُ الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه من الحرَاك لثقله، أي: إنَّ شريعة موسى كانت شديدةً، وقد تقدَّم تفسيرُ هذه المادة في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286] والأغلالُ جمع غُلٍّ، وهو هنا مثلٌ لِمَا كَلِّفُوهُ كقطع أثر البول، وقتل النَّفس في التَّوبةِ، وقطع الأعضاء الخاطئة، وتتبع العروق من اللَّحم وجعلها الله إلالًا؛ لأنَّ التَّحريمَ يمنع من الفعل كما أنَّ الغل يمنع من الفعل.قوله: {فالذين آمَنُواْ بِهِ}.قال ابنُ عبَّاسِ: يعني من اليهود وعَزَّرُوهُ يعني وقَّرره.قال الزمخشريُّ: أصلُ العزْر المَنْعُ، ومنه التَّعزير؛ لأنَّهُ يمنع من معاودة القبيح وتقدَّم تفسيرُ التعزير في المائدة، والعَامَّةُ على التشديد وعَزَّرُوهُ.وقرأ الجحدريُّ وعيسى بن عمر، وسليمان التيمي: بتخفيفها، وجعفر بن محمد وعَزَّرُوهُ بزايين معجمتين.ونَصَرُوهُ أي على عَدُوِّهِ.{واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} وهو القرآن.وقيل: الهدى والبينات والرسالة.فصل:قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى أنزلَ مَعَهُ وإنَّما أُنزِلَ مع جبريل؟.قلت: معناه أُنزل مع نُبوته؛ لأنَّ استنباءهُ كان مَصْحُوبًا بالقرن مَشْفُوعًا به، ويجوزُ أن يتعلَّق باتَّبَعُوا أي واتَّبعوا القرآن المنزَّل مع اتِّباع النبي والعمل بسنته، وبما أمَرَ به ونَهَى عنه أو اتبعُوا القرآن كما اتَّبعه مصاحبين له في اتِّباعه، يعني بهذا الوجه الأخير أنَّهُ حال من فاعل اتَّبَعُوا.وقيل: مَعَ بمعنى عَلَى أي: أُنْزِلَ عليه.وجوَّزَ أبُو حيان أن يكون معه ظَرْفًا في موضع الحال.قال: العامل فيها محذوفُ تقديره: أنزل كائنًا معه، وهي حالٌ مُقدَّرة كقوله: مَرَرْتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدًا به غدًا، فحالةُ الإنزال لم يكن معه، لكنَّه صار معه بعدُ، كما أنَّ الصيدَ لم يكن وقت المرور. اهـ. باختصار..من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الأُمِىَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ}.أظهر شرفَ المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: {النبي الأُمِّىّ} أي أنه لم يكن شيء من فضائله وكمال علمه وتهيؤه إلى تفصيل شرعه مِنْ قِبَلِ نَفْسِه، أو من تعلُّمه وتكلُّفه، أو من اجتهاده وتصرُّفه.. بل ظهر عليه كلُّ ما ظهر مِنْ قِبَله سبحانه فقد كان هو أميًّا غير قارئٍ للكتب، ولا مُتَتَبِّعٍ للسِّيرَ.ثم قال: {يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ}: والمعروف هو القيام بحق الله، والمنكر هو البقاء بوصف الحظوظ وأحكام الهوى، والتعريج في أوطان المُنَى، وما تصوِّره للعبد تزويراتُ الدعوى. والفاصلُ بين الجسمين، والمميِّزُ بين القسمين- الشريعةُ، فالحَسَنُ من أفعال العباد ما كان بنعت الإذن من مالك الأعيان فلَهُم ذلك، والقبيح ما كان موافقًا لِلنَّهْيِ والزجرِ فليس لهم فعل ذلك.قوله جلّ ذكره: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}.الإصرُ الثُّقلُ، ولا شيءَ أثقلُ من كَدِّ التدبير، فَمَنْ ترك كد التدبير إلى روْح شهود التقدير، فقد وُضِع عنه كلُّ إصر، وكُفِيَ كُلَّ وِزر وأمر.والأغلالُ التي كانت عليهم هي ما ابتدعوه مِنْ قبَلِ أنفسهم باختيارهم في التزامِ طاعات اله ما لم يُفْتَرضْ عليهم، فَوُكِلُوا إلى حَوْلِهمُ ومُنَّتِهم فيها؛ فأهملوها، ونقضوا عهودهم.ومَنْ لَقِيَ- بخصائص الرضا- ما تجري به المقادير، وشَهِدَ الحقَّ في أجناس الأحداث، فقد خُصَّ بكل نعمة وفضل.قوله جلّ ذكره: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الذي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}.اعترف لهم بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم كان الله حسيبه، ومَنْ كان استقلاله بالحق لم يقف انتعاشه على نصرة الخلق. اهـ..قال صاحب روح البيان: اعلم: أن المقصود الإلهي من ترتيب سلسلة الأنبياء عليهم السلام هو وجود محمد صلى الله عليه وسلّم فوجود الأنبياء قبله كالمقدمة لوجوده الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة وأشرف الأنبياء والمرسلين كما قال عليه السلام: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون» وكذلك المقصود من الكتب الإلهية السالفة هو القرآن الذي أنزل على النبي عليه السلام، فهو زبدة الكتب الإلهية وأعظمها ومصدق لما بين يديه؛ لأنه بلفظ قد أعجز البلغاء أن يأتوا بسورة من مثله وبمعناه جامع لما في الكتب السالفة من الأحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل، وكذا المقصود من الأمم السالفة هو هذه الأمة المرحومة أعني أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فهي كالنتيجة لما قبلها، وهي الأمة الوسط كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143) وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهم زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم إلى ظهور المهدي وعيسى ويقاتلون من هم مبادي الدجال من الكفرة الفجرة من الإفرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى في الأقاليم السبعة وأطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هذه الجمعية كون اسم جدهم الأعلى عثمان فإن عثمان رضي الله عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضي الله عنه كذلك حيث إنه لما أسلم قال: يا رسول الله ألسنا على الحق قال عليه السلام: «والذي بعثني بالحق نبيًا كلنا على الحق» قال: أنا والذي بعثك بالحق نبيًا لا نعبد الله بعد اليوم سرًا، فأظهر الله الدين بإيمانه فكان ظهور الدين مشروطًا بإيمانه فهذا أول الظهور ثم، وثم إلى أن انتهى إلى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذي بيدهم قد ورثوه كابرًا عن كابر ومجاهدًا عن مجاهد.حكي أن عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية إنما وصل إلى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك أنه كان من أسخياء زمانه يبذل النعم للمترددين، فثقل ذلك على أهل قريته وانعكس إليه ذلك وذهب ليشتكي من أهل القرية إلى الحاج بكتاش أو غيره من الرجال، فنزل في بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه، فقالوا: هو كلام الله تعالى؟ فقال: ليس من الأدب أن نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلًا إليه فلم تزل إلى الصبح فلما أصبح ذهب إلى طريقه فاستقبله رجل، وقال أنا مطلبك، ثم قال له: إن الله تعالى عظمك وأعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم أمر بقطع شجرة وربط برأسها منديلًا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته إلى بلاجك وفتح بعناية الله تعالى، ثم أذن له السلطان علاء الدين في الظاهر أيضًا فصار سلطانًا ثم بعد ارتحاله صار ولده أورخان سلطانًا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الإلهي فالدولة العثمانية من ذلك الوقت إلى هذا الآن على الازدياد بسبب تعظيم كلام الله القديم، وكما أن الله تعالى أظهر لطفه للأولين كذلك يظهره للآخرين، وإن كان في بعض الأوقات يظهر القهر والجلال تأديبًا وتنبيهًا فتحته لطف وجمال. اهـ.
|